بعض مما أظنّه شعر

الثلاثاء، 4 مارس 2014

ذنبُنا سعوديّون ..


ذنبُنا سعوديّون ..

وُجِدنا على هذه الحياة ولدينا مرجع يقيس حياتنا طولاً وعرضا ً و يشرّع  لنا الحياة المسموحة لنا  ..
و نحن تتابعنا جيل بعد جيل من التسليم والرّضا الذي لم يكن خياراً ولا رغبة ، أجيال تتابعت فيها
هذه السلوكيات التي نشأت عليها فاتخذتها جزء من أوراق الدّين التي لا نقاش فيها ولا سؤال ،
على أرضنا هذه لم نبحث عن الجد ّ الأول الذي مارس هذة الخرافة و أرشدنا لها وعلّمنا كيف
يمكن أن يكون معتقد الشخص بحد ذاته ديناً يؤمن به ويسوّغ له الدلائل الكافية لصلاحه
إلا أننا أخذنا من الجدّ هذا الدين ولم نأخذ الدلائل التي فُنِيَت لأنها خلقت من العدم ، نحن
نفهم جيّداً ولا يمكننا أن ننكر أن سعوديّتنا خط لا مساس و قد أضيفت للمقدّسات التي يكرم
المرء لأجلها ويُهان ، و نحن اليوم ندرك حجم هذه المعضلة وحجم مأساتنا نحن كأفراد ننتمي إلى
هذا المجتمع البائس ، نعم إن البؤس يتكوّن في عدم قناعتنا بثقافته إطلاقاً واضطرارنا للعيش
بمقتضى هذه الثقافة ، و بعيداً عن المقارنات القريبة والبعيدة وأبناء عم دولتنا آنا هنا أتحدّث عن ثقافة
مجتمع مازال شعبها يدرسها بشيء من الصعوبة واليأس كمسألة رياضية يشتم الطالب فيثاغورس لتورّطه بها
، كيف نتخلّص من فكرة المشاعر المحرّمة هنا ، من فكرة الطبيعة الإنسانية المحاربة ، والمثقّف الحقيقي المنبوذ
كيف بالإمكان أن نفصح بحقيقة معارضتنا ومقتِنا الشديد لهذه المعتقدات ، كيف يفهم الصامتون كَرْهاً أن قدح
مثل هذه الأفكار ليس قدحاً في آبائهم ولا أجدادهم و أن الراغبون بها لا زالون في ظلالهم يعمهون ، إننا بشر لسنا أسوياء مطلقا مادمنا نؤمن بالظلّ أكثر من إيماننا بالشمس ونؤمن بالصوت أكثر من الصورة ،  أنا هنا لن أتطرق لمشكلات تشترك فيها الدول العربية بل لمشكلة تخصّ السعوديين فقط ، هم تحديداً لأننا ما وجدنا هناك في بلد من البلدان تضخيماً لمسآلة الحب ّ مثل ما يحدث هنا ، من إنكاره وتحريمه إلى الإستخفاف به والإستخفاف بأهله ، الإعتراف بالمشاعر أمر محرّم ويعتبر مما يؤخذ على صاحبه حتى وفاته وكأنه عار ، تتناقل الألسن سيرة الذين عشقوا بشيء من التحقير ، المغالطة التي يقعون فيها ويوهمون أنفسهم كي لا تنطق أرواحهم
تدفعهم لأن يصبحوا مراهقين في مشاعرهم غير ناضجين ، نعم إنها الحقيقة نحن مراهقون بفعل مجتمعنا .. مراهقون مهما كبُرنا ، يتحدّثون عن المرء ذو العاطفة بالضعف والأخلاق الممسوسة ، حصَروا الأخلاق في الحبّ واللاحبّ  وكأنه لزام ٌ على المرء أن يكون سيئاً ليكون جيدا للمجتمع الذي ينبذ العاطفة  ، إذ أن العاطفة تعني هنا الشرف بالتّمام ، كبُرنا هكذا محمّلين بالتّهم إن خالفنا الطريق ، أو مثقلين بالصمت الأسود إن تبعناهم ، لا يمكن أبدا أن يتجرّد أحد من عاطفته التي تتشكل في محبة وإعجاب وصداقة و زمالة ، لم يخلق الله البشر
مجردون منها فكيف بنا ننكرها ، إننا ننكرها اليوم لطبيعة مجتمعنا وما فطرنا عليه منذ كلمة الحب الأولى ، ننكر أن تكون هناك صداقة نظيفة أو إعجابٌ ليس له دوافع فأصبحنا لزِجون في هذه النقطة تحديدا لا نعلم مالذي يعتمل في قلوبنا ، نقول يا الله بدعاء له منطق الحيرة .. لا نفهم لأنه لا إتصال حقيقي بيننا لا وضوح بين الطرفين
ولأن القيل والقال يبقى الهاجس الأعظم والبعبع الذي لا يغادر تفكيرنا ، مأكولون كأننا قصبة السُكّر ، ما إن يسمع أحد عن علاقة حدثت حتى تناقلتها الألسن والأجهزة بنفس الغرابة منذ أيام صاحب الخيمة ، يقول لي أحدهم في معرض الكتاب عام ٢٠١٢ حين انتقدت ماعليه أدباؤنا بنفس هذا المعنى : لن تجدي أحدٌ هنا إلا وله صاحبة.. عفواً ؟! رددت بفجيعة ، قال : " الزوجة تبقى شيء والصاحبة شيء آخر "، إنه عمل الأيدي التي تظنها باقية حتى قيام الساعة ، جعلت سلوكياتنا كالفِطر الذي يتكاثر برائحة مقيته ، ماذا لو كانت العلاقات جليّة وواضحة ؟!  ، ما المانع في أن نشبع الإعجاب فينا بشكل مهذّب ومسموح ؟! سيبقى الإعجاب فينا كبذرة الفاصولياء تتعاظم في صدورنا حتى نتفتّق بها وهذا حال الكثير وأنا إحدى هذا الكثير ، إنه من الوارد الحتميّ أن توافق طبيعتنا شخصيات فـنعجب بها لماذا يعتبر كفراً و أمر خارج حدود الأدب ؟!
نخشى المجتمع ،  نخافه ، فنمرض بـعواطفنا التي لو تُرِكت كما خلقها الله لكانت سليمة
إنني أجزم وبشدّة لو أتيحت لي الفرصة باللقاء والحديث مع الفئة التي أحبّ لـكونّا علاقات طيبة ونافعة
نافعة على الصعيد الشخصي والمجتمعي ، ولـزال خطر الشكوك وخطر الإرتباك الذي يخلقه الخوف من الحديث ،
من نحبّهم ليسوا ملائكة ، ليسوا معجزات ، إنها المسافة الفاصلة من تفعل هذا بحجة الحرص على التشبث بهم
ذلك أنني لا أؤمن بالحب لأجل الحب ذاته ، الحب المجرد ذاته لا أفهمه ولاأستسيغه أبدا ، أفهم الإعجاب الذي
يتعاظم أو الإعجاب الذي يتكاثر لصفات متعددة فيكبر ويتحوّل إلى حب ، ربما يكون هناك حبّ ولكنّي عن قناعة
لا أؤمن به ولا أجده .. إِذْ  أن بداية كل حب إعجاب .

ذنبنا سعوديّون لذا نُصاب دائماً بدُوارِ العاطفة الذي يخدش حياتنا الطبيعية كبشرٍ لو كانوا في مجتمع آخر
لما كان حديثه الدائم عاطفته الموؤدة وكيف يمكن أن يعيشها .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق