بعض مما أظنّه شعر

الجمعة، 7 مارس 2014

حقيقة الموت .


حقيقة الموت .

لم أكن لأفهم حقيقة جديدة عن الموت من قبل أن أدخل مغسلة الأموات بجامع الراجحي ورائحة الكافور
تتصاعد بشكل كبير وتلتصق بكل خلية فيني وكل شيء متصل بي كـ اللباس وَ الشنطة و هاتفي ، أول وجه رأيته للموت هو جثّة دانا الممدة على المغسلة ملفوفة بما يدعى الكفن الذي أشاهده للمرة الأولى في حياتي بشكل حقيقي ، فزعت جدا وعدت للوراء لكن بكاء أختي وأمي جذبني لأدخل بقلب أقوى من ذي قبل ، الوجه مفتوح
لكنّه منتفخ الملامح تبدو أكبر مما هي عليه ، والطول أكثر من ذي قبل الأعين الكبيرة والأنف الصغير والفم العذب
بدا شاحباً ولسانها أبيض ، تتفقد أختي أسنانها فتظهر إثنان من الأسفل وأربعة من الأعلى سليمة كما عرفتها ، سنة وأربعة أشهر بالضبط لكنها مشهد حقيقي للموت ، لم أجرؤ على لمسها لكنني شعرت فيما شاهدت أن وجهها بلاستيكيّاً و كالبودرة على بشرتها ، لذا خفتُ ولم أقترب ، أُغمض عينيّ كل ثانيتين وأفتحها بفجيعة مع الكلام الذي أسمعه
تخبرني أختي أن بشرتها لينة جدا ً و أنا من المشاهدة اعتقدتها متصلبة جدا ، أخبرتني أيضاً أن جمجمتها هشّة
جدا تكاد أصابعها تنغرس فيها ، يا للفجيعة كيف استطاعت لمسها وحضنها مرات ، تقيس طولها وتقول مالذي فعلتموه لدانا لقد زاد طولها وهذا ما أرعبني بالفعل ، يا إلهي رأيت كيف نبدو مخيفين جدا دون هذه الروح المبهمة
فينا ، حول الجثة التي لم تعد دانا أربعة أخوات وزوجة أخ وأم مفجوعة وأم لهذه الأم ، على إثر بكائها أتت
سيدتين يشاركنها البكاء على أخ متوفّي قلت يا الله إنها حقيقة الموت التي تجعلنا نتشارك البكاء المبهم من المقاصد كلها ، ففي الموت يتجلّى حزنك بشكل حقيقي وحيد ، لا أحد بالفعل يعنيه بالشكل الدقيق ما أنت عليه ، والناس تتبدّل مراتبهم في قلبك ، مشيتُ بعد هذا المشهد الثقيل وأنا أفكر بهذا الوجع الذي هو فوق الكلام
فوق الوصف و كيف أن المارّين في الأسياب والشوارع يعيشون حياة طبيعية ، كيف لا يدركون أنهم مهددون بالموت ، كيف ينسون هذا ؟! أبكي وأنا أسمع أختي تقول : اليوم جنائز الراجحي تعنينا ، دانا أحد الأربعة أطفال والثمانية رجال والـإمرأتين ، إننا نصلي صلاة الميّت بشكل جدّي وقريب هذه المرة ، يارب ّكيف نَأمن والموت متربّص بنا وبأحبابنا ، يا الله لا نعترض على قدرك ولكنني أحاول فهم هذه الحقيقة الصعبة ، يلتوي التهديد على عنقي ومن بين يديّ وحول أشيائي التي أمامي  ، ليس له صورة لكنني بتُّ أتخيّله بوجه دانا ، يظهر لي وجه دانا في السماء في صدر الغيمة البيضاء وصدر السوداء أيضاً وفي السقف وعلى وسادتي ، تبكيني هذه الخيالات التي تقول أن وجوه أحبابنا التي ذهبت مع الموت باتت تهدّدنا أيضاً ، أشعر بقرب الحياة الأخرى وأخاف من يكون عليه الدور القادم ، إننا بعد الموت مصابون بالخوف والخذلان من الناس والذاكرة أيضاً ، الصور التي ترفض أن تحرقها الذاكرة تقتلنا وتجعل الأيام صعبة وسمينة جدا ، الموت إن لم يأخذنا فإنه يلسعنا بمروره
بيننا ويميت شعور ويخلق شعور آخر ، وأنا قد تخلّقت الكثير من المشاعر الفرديّة والتي تتأصل في العمق
وتتكاثر كالدود تزداد سميّة كلما تكاثر عددها وأول هذه المشاعر أنني بتّ اكره اللذين لم يؤدون واجب الإنسانية
وهم يعلمون ، ليس لـحاجتي بل لأن رائحة الموت كريهة كيف يشمّونها بصدر رحب وذاكرة زلِقة ؟
ذلك أن الموت لا يخطر ببالهم بالشكل الحقيقي الذي عشناه بل الموت  الذي هو لديهم محاضرة دينية فحسب
، فتركونا في قلب فجيعتنا نداري الموت أن يرحل عنا لكنّه لا يرحل ، بالقرب دائماً حاضرا في كل وقت
ومكان ، يده تطال جميع الكائنات ، خلقه الله ببأسٍ شديد لا تنفع فيه توسلات الأمهات ولا دموعهن يمرّ على عيونهنّ وعقولهنّ فيصرخن بإنهيار إلا من أكرمهنّ الله بالصبر  ، يأكل الموت حياتنا ويجعلها عارية لتبدأ سوءاتها
بالتكشّف ، و نزهدُ في رغباتنا التي لا إنتهاء لها ، و يفتح في قلوبنا عنبراً بإسم الذين فقدناهم ، أكتب هذا الكلام وأنا أشعر أنه يقرؤه وينظر إليّ وأنه قريب منّي ، أكتب الآن بخوف لكنني كتبت لأني شعرت بواجبي
بكتابة هذه الحقيقة .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق